- لا.. أتركيني, وغلبني البكاء وهرعت إلى والدتي تضمني إلى صدرها بحنان وتكرر السؤال عليّ, وأنا أدفعها برفق وأسعى ألا أجعل أنفاسي تلاقي وجهها.. وبعد حين:
- قلت: إنني مصاب بالسل..
- ونظرت أمي إليّ نظرة هي نسيج من الحنان والشفقة والاستغراب، ثم قالت: ومن قال لك ذلك..
- الطبيب..
- أعوذ بالله.. لا يا بني لا تستمع إلى هذا الكلام فمن أين يأتيك السل.
- لقد قالوا لي ذلك في المستشفى وهم يعتمدون على التصوير الشعاعي.. ورحت أقص على أمي ما جرى.. وأنا مضطرب أرتجف وكان خطان من الدموع يغادران عينيها، وبصمت ليرسما طريق الحنان والمحبة على وجنتيها.
ومدت أمي يدها إلى صدري فوضعتها عليه ثم راحت تقرأ سورة الانشراح وما حفظت من الأدعية والتعويذات ورأسي موضع على صدرها في اطمئنان فلما انتهت أمسكت وجهي بيديها ثم قبلتني في رأسي وقالت:
إسمع يا ولدي.. إن ما قيل لك كلام فارغ لا تصدقه فليس بك شيء وإن كنت تثق بي فصدقني، ثم لو كان بك شيء فلا تذكر ذلك لأحد فسأكون في خدمتك وسأقدم إليك ما تحتاجه من طعام مغذ وأستأجر لك دارا في الشتاء هنا وسأوفر لك سبل الراحة حتى يشفيك الله.. ألا تعرف ابنة خالتي سلمى لقد كانت مثلك زهرة في مقتبل العمر وأصيبت بالسل.. بسبب سوء التغذية والحياة البائسة التي كانت تحياها والتعب الشديد الذي كانت تقوم به لسد نفقات أسرتها.. لقد بذلت أمها كل ما تستطيع من أجلها، فمنعتها عن الناس وقدمت لها كل ما تحتاجه من طعام ودواء حتى باعت أكثر ما تملك ولم يبق سوى الفراش الذي تنام عليه البنت وقد شفاها الله، وهي في صحة جيدة.. ألم ترها.
كان كلام أمي مقنعا ولكنه انزلق في أذني ليخرج من الثانية وأجبتها إرضاء.. نعم رأيتها..