لست أدري كيف أمضيت يومي ذاك فقد انعزلت في فراشي وامتنعت عن الطعام وأبعدت عني إخوتي ورحت أفكر في كل لحظة في ثلاثة أشياء: السعال، العرق، ألم الخاصرة.. وما أن أظل المساء حتى كانت فكرة خطيرة قد سيطرت عليّ وملأت عليّ تفكيري، لا أمل في الحياة فلم أتحمل العذاب بقية عمري لم لا أنتحر! إن مغارة النابوع التي كنا نتباهى فيها بإطلاق الرصاص منذ يومين قريبة من البيت ومسدس أخي لا يزال في مكانه الذي وضعته فيه بعد أن استعرته منذ يومين لأفتخر أمام أصحابي أني أحسن إطلاق الرصاص، وإذا انتحرت هناك فلن يراني أحد ولن يحس بي أحد فنادراً ما يدخل المغارة إنسان.
مضى علي الليل طويلاً كئيباً مملا متعبا، كنت أسعى إلى النوم فلا أستطيع وأتقلب يمنة ويسرة بلا فائدة، حتى ضجرت، فقمت من فراشي وخرجت من الغرفة.. كان سهل الزبداني مغموراً بضوء القمر الساطع الذي يحتجب أحياناً بمرور بعض الغيوم البسيطة، وكانت الأرض تتبدد متنوعة الظلال والألوان ولكن ذلك لم يثر بي إحساساً مع أني كم أمضيت من الليالي ساهراً أرقب مثل هذا المنظر وأتمتع به وأتمتم بأغنية أو أستمع إلى المذياع.. وهبت نسمة باردة لفحت صدري فأهويت بيدي على منامتي أجمعها على صدري، ثم عدت إلى الغرفة.
جلست على طرف السرير وأطرقت برأسي إلى الأرض وتساءلت: كم بقي للصباح؟ ثم نظرت في ساعتي, لا يزال بيني وبين الفجر أربع ساعات.. ما أطولها.. مع انقضائها سأستريح.. سأنتحر.. سأموت..
وانتفض جسدي عند ذكر الموت وبدا لي وحشا فظيعا فاغرا فمه يريد أن يبتلعني.. ولكن تماسكت وتصوّرت وقع النبأ على أمي وأبي, والحزن والأسى الذي يسيطر عليها وترغرغت الدموع بعيني، وتصورت أصدقائي يحفون بالجنازة ويقفون على القبر والخطباء يؤنبونني وتصورت مجالس الصحب وقد عادت إلى ما كانت عليه من الهرج والمرج وقد خلا مكاني فيها فلا يذكرني أحد إلا نادراً.