وأحسست بجسدي منهكاً والتعب يأخذ مني مأخذه فاضطجعت على طرف السرير وأخذتني سنة من النوم ثم أفقت ضيق الصدر مكروب النفس مظلم الإحساس ونظرت في ساعتي فإذا الفجر قريب، وتذكرت الموت فأحسست بالعرق يغمر جسدي.. وطاف في ذهني.. ألم يسألك الطبيب: هل تعرق؟ .. ها هو ذا العرق.. وأحسست بألم في خاصرتي، وانطلق من صدري سعال خفيف ضعيف.. لا ريب أنها كل العلامات والإشارات.. فلا مجال للمراهنة.. إذن لابد من الموت.
وراعني خاطر الموت.. كيف أموت وإلى أين أمضي.. إلى المقبرة. أيصبح هذا الجسد الغض الطري تحت التراب تلعب فيه الديدان، تتوسد التراب ليس له من كساء إلا قطعة من كفن أبيض رخيص, وإذا نزل المطر ورشحت قطراته على وجهي فمن يزيح تلك القطرات.. وهاتان العينان الجميلتان من يبعد عنهما القذى، وهذا الشعر المصفف الحلو الذي كنت أقضي زمناً طويلاً أمام المرآة أمشطه وأرجّله وأتباهى به بين الأصدقاء من سيزيح عنه التراب وينظف شعراته؟.
كنت سارحاً في تأملاتي حين فجأني صوت المؤذن يصيح من على المئذنة: يا أرحم الراحمين..
كنت كمن مس شريطاً من الكهرباء فاختلج جسدي كله.. وثاب عقلي: يا أرحم الراحمين.. يا أرحم الراحمين, ووجدتني أقولها وأرددها، وانتبهت إلى نفسي فأين كنت؟ السل.. الانتحار.. هل نسيت رحمة الله؟ هو الذي خلقني وهو الذي يتصرف بي وأين الرضا بالقضاء؟، ثم ما هي نتيجة الانتحار.. جهنم وهل أطيقها.. أخر الدنيا والآخرة..وهل الانتحار مما يخلصني مما أنا فيه؟.