كان أهل القدس في البداية يكتفون بمياه الأمطار، ولما كثر عددهم استفادوا من مياه عين أم الدراج. ولذلك بنوا حوالي عام ألفين قبل الميلاد نفقاًَ [٦] يصل بين المدينة وهذه العين، يسهل وصول السقاة للعين، ويفيدهم أثناء الحصار. والنفق المذكور هو أقدم ما عثر عليه من ذكر لطريقة الحصول على المياه من العيون والآبار المجاورة للمدينة.
وكان ملكي صادق [٧] ملك اليبوسيين ورئيسهم الديني من الموحدين، لذلك تكون مدينة القدس أقدم بقعة في الأرض آمنت بالله الواحد، ونبتت فيها فكرة التوحيد كما نسب إليه أنه مؤسس القدس [٨] التي كانت قبل ذلك صحراء بين أودية، وجبال، فنزل ملكي صادق بكهف من جبالها للعبادة، واشتهر أمره، فجاءه ملوك الأرض الذين كانوا بالقرب من القدس، وكانوا اثني عشر ملكاً، فسمعوا منه، وساعدوه بالأموال على إقامة مدينة القدس، ثم عينوا ملكاً عليهم وسموه (أبا الملوك)[٩] .
وقال مؤلفوا قاموس الكتاب المقدس:"والظاهر أنه أي- ملكي صادق- كان محافظاً على سنة الله بين شعب وثني، ولذلك كانت له الأسبقية على إبراهيم وعلى الكهنة الذين تسلسلوا منه "[١٠] .
وقد كان ملكي صادق قد اتخذ بقعة الحرم الشريف معبداً له يقدم ذبائحه على موضع الصخرة المشرفة [١١] . وبذلك يكون العرب الكنعانيون أقدم من قدس هذه البقعة وتعبد فيها، وذلك قبل أن يقوم سليمان بن داود ببناء هيكله بما يقرب من ألف سنة [١٢] .
وهذا يفسر لنا ما أثبتته الحفريات وذكره المحدثون من أن بناء سليمان كان على أساس قديم، فقال صاحب الأنسب:"وهذه الأقوال تدل على أن بناء داود وسليمان إياه إنما كان على أساس قديم، لا أنهما المؤسسان له بل مجددان "[١٣] . كما ذكر كعب الأحبار- الذي كان من علماء اليهود ثم أسلم- "إن سليمان بنى هيكل بيت المقدس على أساس قديم "[١٤] .