وما أن استقر المسلمون في هذه البلاد حتى نزح العرب من كل قبيلة، وهاجر إليها كثير من أهل المدن في شرق البلاد وغربها، واتصل كل هؤلاء بسكان البلاد الأصليين من قوط وغيرهم، وقد أسلم كثير منهم من مسيحيين ويهود، فصاروا مجتمعاً واحداً، ترفرف عليه المحبة والصداقة والأخوة، فاندمج بعضهم في بعض بالتزاوج والمصاهرة، فنشأ جيل جديد يجري في عروقه الدم العربي، ويتصف بصفات العرب من غيرة وكرامة وصفاء في القريحة فامتازوا بدقة الإِدراك، وسعة الخيال، وقوة الفكر، فكان شعباً جديداً، ألبسه الإسلام ثوباً جديداً.
ولقد حكم هذه البلاد بعد الفتح أكثر من عشرين أميراً من الأمويين، فتوغلوا في البلاد، وامتد سلطانهم عليها، ولم يدخروا وسعهم في إسعادها، ومحاولة أن يجعلوا منها جنة الله في أرضه.
ثم أتى عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك من الشرق، واستولى على البلاد، واستتب له الأمر عام ١٤١هـ، وجعل عاصمة ملكه قرطبة، وأسس بها دولة بني أمية التي زالت من المشرق بعد أن قوضها العباسيون.
كانت أعظم دول العرب هناك، وعصرها أزهى عصور الحضارة الإِسلامية بالأندلس وقد حكمها في هذه المدة من بني أمية تسع عشرة خليفة، وكان من أعظم الخلفاء عبد الرحمن الثالث الذي حكم الأندلس من عام ٣٠٠ إلى ٣٥٠هـ.
وهكذا فقد تولى حكمها خلفاء أمويون امتازوا بكل ما يمتاز به القادة من ذكاء وعلم وخبرة ومعرفة وبطولة، وكانوا دائماً في جهاد وعلى أهبة واستعداد للقاء الأعداء في خارج البلاد وداخلها، فكانوا موضع إعجاب وتكريم واحترام غزير المسلمين.