للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان المسلمون يعيشون في سعادة وهناء، فالخير لا ينقطع، ولا يقل بل يكثر ويزيد على مر السنين والأيام، ثم انقطع الناس عن تعاليم الدين، وانشغلوا باللهو والشهوات والنساء، فابتعدوا بما عملوا عن الدين الحنيف، وانصرفوا عن الجهاد، ودبَّ فيهم الخلاف، وما كاد القرن الرابع ينتهي حتى كانوا قد أنهكوا، وزاد الشقاق، وأصبح المسلمون ينظر بعضهم إلى بعض، وكأنهم هم الأعداء فهذا عربي وهذا بربري وهذا مضري وهذا قحطاني، وبرزت العصبية الجاهلية، وتكونت جماعة من الأفاقين والإنتهازيين، فتطلعت إلى الحكم والرياسة، وانتهزوا فرصة ضعف الخليفة الأموي، فعملوا على التخلص منه حتى يقسموا البلاد بينهم.

ولكي يتخلصوا من آخر الخلفاء الأمويين، حتى يسقطوا حق بني أمية في المطالبة بالملك، اجتمع المتآمرون في مجلس يدعى مجلس الكبراء في أواخر القرن الرابع الهجري بدعوة من ابن جهور، وأخذوا يتناقشون، واستقر رأيهم على إلغاء الخلافة.

ركبوا الخيل يحيط بهم الحراس والموالي، والكل مسلحون إلى قصر الخلافة، ونادوا آخر خلفاء بني أمية هشاماً الثالث، وطلبوا منه النزول من البرج، ثم حبسوا هو ونساؤه في قبو مظلم، يرتعد من البرد الشديد، وقد اشتد الجوع بالجميع، وكان الخليفة يحتضن ابنته الصغيرة، وهي تصرخ من شدة الجوع، ولم يقدم لها أحد شيئاً، فلما تكلموا في التنازل عن الخلافة، قاطعهم الخليفة قائلاً:

"نعم نعم!! إني سأخضع إلى حكمكم كيفما كان، ولكني أسألكم بالله تعالى أن ترسلوا لي شيئاً من الخبز..... إن هذه الطفلة ستموت بين يدي من الجوع"، فأمروا بإحضار الخبز.

ثم قالوا:

"يا مولانا إن المجلس قرر أن تؤخذ عند الفجر لتسجن في قلعة كذا"فأجاب الخليفة:"فليكن ... وليس لي الآن إلا رجاء واحد، وهو أن تأمروا لنا بمصباح لأن ظلمة هذا المكان الموحش تزعجنا وتخيفنا".