وهكذا سمع الصليبيون في أوربا ما يفعله المسلمون بخليفة المسلمين بالأندلس، خليفة يستجدي خبزاً وشمعة تضيء له ولأهله وأطفاله السجن.
هكذا تخلصوا من الخليفة، وقسموا البلاد التي كانت دولة واحدة إلى إمارات صغيرة، يحكمها انتهازيون مخادعون أفاقون، استولوا على البلاد ليوزعوها بينهم، وتغلب كل على جهة منها، وضبط كل متغلب منهم على ما استولى عليه بكل القوة والقسوة والظلم، ولم تمر أيام حتى اعتبر كل واحد منهم أنه صاحب ملك حر التصرف فيه، أحاطوا أنفسهم بكل أنواع الملذات من الحياة، وجعلوا ولاية العهد في أعقابهم، وتسموا بأسماء مختلفة فبعضهم تسمى بالمأمون والآخر تسمى بالمستعين والمقتدر والمعتصم والمعتمد والموفق والمتوكل.
أسماء مقتدر فيها ومعتصم
مما يزهدني في أرض أندلس
كالهِرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد
ألقاب مملكة في غير موضعها
ثم توارثها الأبناء عن الآباء، بعيدين عن تعاليم الإِسلام، غارقين في الشهوات والفساد.
يسمي المؤرخون هؤلاء الحكام ملوك الطوائف واستمر هذا العصر البغيض أكثر من سبعين عاماً، كانت كل ولاية مستقلة عن الأخرى، بل إن القوي كان يلتهم الضعيف، وما فعله المعتضد زمن حكمه ولاية أشبيلية وابنه المعتمد من بعده يدعو إلى الأسى والحزن العميق. وكان الحاكم منهم لا يرى بأساً في أن يستعين بأعداء المسلمين على إخوانه بلا وازع ولا خوف.
وهكذا مهد هؤلاء القوم لظهور اتحاد الصليبيين من إيطاليا وفرنسا وأسبانيا مهمته التخلص من المسلمين المتناحرين، ورد البلاد إلى دينها الأول.