جاءت عيون جيش المسلمين تخبر ليلة الجمعة بالجلبة والحركة والضوضاء في معسكر النصارى، فأخذ المسلمون أهبتهم متحفزين.
وما كاد يظهر ضوء صبح الجمعة الثاني عشر من رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة من الهجرة حتى زحف النصارى وبدأ القتال، وهجمت مقدمة القشتاليين والأرجوانيين بقيادة البارهانيس على القوات الأندلسية التي يقودها المعتمد بن عباد، وما كاد العدو يوجه ضربته إليهم حتى خارت قواهم، وفروا ليعتصموا بأسوار بطليوس القريبة تاركين المرابطين وحدهم.
لعل خُطة الفونسو هي ضرب القوات الأندلسية، ثم القضاء على المرابطين وبهذا يتم له النصر والإستيلاء على البلاد، وطرد المسلمين منها.
ولكن الله كان له بالمرصاد، والمولى سبحانه وتعالى هو الذي أعد يوسف لهذه الساعة، لتكون نذيراً للمسلمين كي يرجعوا إلى دينهم الحنيف.
كان يوسف يراقب تحركات العدو، ويأتيه المراقبون بالأخبار، ولقد ثبتت شرذمة قليلة كانت تحارب مع المعتمد بن عباد، الذي صمد أمام ضربات الأعداء، فأصدر يوسف أمره سريعاً إلى قائده ابن عائشة بالإسراع إلى نجدة ابن عباد، ولكن هذه الفرقة لم تؤد الغرض الذي من أجله أرسلت، فقوات العدو الكثيرة تتقدم بسرعة، فأرسل إليهم قائده سير بن أبى بكر، ووقعت بين قوة العدو وبين القوتين معارك ضارية، وانشغل النصارى بقتال الفرقتين، ووجهوا كل اهتمامهم إلى هؤلاء، وهذا ما كان يهدف إليه القائد العبقري، وهو ما عمد إليه يوسف، حتى يُظْهِر المفاجآت، والمفاجأة لها دخل كبير في كسب الإنتصار، وهذا ما عمد إليه يوسف، فقد نزل بنفسه إلى قلب المعركة بقوة لمتونية [٣] ، وبخطة لم تخطر على بال، فكانت المفاجأة الأولى، لقد انقض على جيوشهم من الخلف، وهجم على معسكراتهم، وكانت الحراسة ضعيفة، فأضرم فيها النيران التي قضت على كل ما فيها، ووثب على مؤخرة العدو، وأدار فيهم القتل.