وكانت المفاجأة الثانية وهي تحطيم الروح المعنوية في جيش الأعداء فأمر فرق الطبول أن تضرب، فكان صوتها يشق عنان السماء، ووقع الرعب في قلوبهم، فلم يتعودوا مثل هذا في الحروب، وأصيبوا بزعر شديد حينما شاهدوا النيران تلتهم معسكراتهم.
ولما علم الفونسو بما حصل لمحل قيادته، إرتد على عقبيه، فاصطدم بمؤخرة المرابطين، ودارت معارك رهيبة، والقائد العبقري العظيم فوق فرسه يتلو القرآن، ويحث جنوده على الثبات، ويرغبهم في الإستشهاد، وصوت الطبول ما يزال يدوى في الفضاء فيرهب الأعداء، فيولون منه الأدبار.
لقد تحكم المرابطون في جبهة القتال، فأرسل القائد البطل أمره إلى الجنود بتغيير الخطة، وكانت المفاجأة الثالثة، فقد بدأ القتال في صفوف متراصة متناسقة ثابتة، وهى خطة مبتكرة في القتال لم يعهدها النصارى من قبل، أذهلت العدو، وأصبح ميدان الحرب وكأنه صالة عرض يلعب فيها المرابطون بالسيوف والرماح.
وكانت المفاجأة الرابعة، وهي الضربة الأخيرة، فقد أشار القائد المسلم العبقري إلى القوات السودانية [٤] بالنزول إلى قلب المعركة، وكان قوامها أربعة آلاف مقاتل بمزاريق الزان وسيوف الهند، فانقضوا على النصارى كالصاعقة واستطاع أحدهم أن يرسل إلى الفونسو طعنة بخنجر في فخذه، إلا أنها لم تكن القاضية، ففر بجرحه.
يقول أمير المسلمين يوسف في رسالته إلى مراكش العاصمة:
"وتسلل الفونسو تحت الظلام، فاراً لا يهدى ولا ينام، ومات من الخمسمائة فارس الذين كانوا معه بالطريق أربعمائة، فلم يدخل اللعين طليطلة إلا في مائة فارس ".
لقد كان نصراً مبيناً، أيده الله ورعاه، وكان يوسف ومن معه أشداء على الكفار، فقد وفقهم الله، ليكونوا عظة وعبرة، ودليلاً على أن من استمسك بحبل الله فالله معاونه وناصره.