للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقصد بهذا زهيراً، وسئل: ثم من؟ قال الذي يقول:

وسائل الله لا يخيب

من يسأل الناس يحرموه

يقصد عبيد بن الأبرص [٣٧] .

وليس ما تقدم من نظرات جاهلية نقدية- من نظر الشاعر في شعره، ومحاولته تهذيبه وتثقيفه، ومن نظره- أحياناً- إلى شعر غيره والحكم عليه- ليس ما تقدم هو كل ما قام به النقد الجاهلي من دور في تقويم الشعر العربي الجاهلي، والوصول به إلى درجة من الكمال الفني ... بل إن النقد الجاهلي قد ساهم بلون آخر من ألوانه التي عملت على النهضة بالشعر العربي، هذا اللون هو المفاضلة أو الموازنة بين الشعراء.

وتروي كتب الأدب أن النابغة الذبياني، كانت تضرب له قبة في سوق عكاظ، حيث يفد إليه الشعراء يعرضون عليه نتاجهم، فإذا به يستمع إليهم جميعاً، ثم يحكم في النهاية لمن نالت قصيدته الرضا والاستحسان.

وقد ساعد على هذا اللون من النقد، وعمل على وجوده دواع كثيرة، ومواقف متعددة، منها (تلك المواسم والأسواق، والمجامع الجامعة، والمحافل الحافلة، التي كان العرب يحضرونها بما لديهم من المفاخر، يتبادلون عندها المنافع، ويتناشدون الأشعار، متباهين بجودتها، وقد جلس للحكم بينهم وتفضيل بعضهم على بعض فيها سادة مقدمون، ولسن معاول [٣٨] ) ومنها تلك المواقف التي كثيراً ما (يلتقي فيها شاعران على بساط المنافسة الأدبية، أو يجريها اللجاج حول بعض الأمور إلى التماس الفوز عن طريق الحكم لأحدهما بالأصالة والمنزلة الشعرية) [٣٩] .

وتروى لنا كتب الأدب مشهداً من تلك المشاهد التي كانت بين النابغة والشعراء في عكاظ، أنشده الأعشى مرة، ثم أنشده حسان بن ثابت، ثم شعراء من بعده، ثم الخنساء أنشدته قصيدتها في رثاء أخيها صخر التي منها:-

كأنه علم في رأسه نار

وإن صخراً لتأتم الهداة به