وهذا ما أدركه العرب واضحا من غرض تحركاته العسكرية, وأفصح عنه عبد المطلب وهو أخذ بحلقة باب الكعبة يستغيث الله:
لاهم أن العبد يمنع
رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم
ومحالهم غدوا محالك ٢
وكانت الكعبة منذ أغوار الزمن مثابة العرب وأمنهم ومهوى أفئدتهم يلتفون حولها بمشاعرهم وشعائرهم في جو من الرضا العضوي والتقديس لمقام إبراهيم من منزلة في قلوبهم, وارتقت مطامع أبرهة إلى القضاء على أسباب وحدة العرب الروحية المجتمعة في الكعبة واستبد به التفكير في تهديمها فجاءت خطته تعد في الحقيقة تغيير جذري في مرافق العرب ومستقبلهم (خطة لا تختلف في كثير عن خطة اليهود في تحريق المسجد الأقصى وزعزعة قواعده لقطع صله المسلمين بمسجد يشدون إليه الرحال) . وقدَّم أبرهة لهذه الخطة النكراء ببناء القليس - كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض - ٣ وأوضح الغرض منها في تقرير أرسله إلى سيده ملك الحبشة يقول فيه:"لست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب" ٤ ولما عرضها للعرب لم تهو إليها أفئدتهم وأنكروا مضاهاتها لمقام إبراهيم عليه السلام, وأحدث بناؤها رد فعل عنيف في نفوسهم تجلى في إعراضهم عنها ونهوض بعضهم للتعبير عن سخطهم ونقمتهم وهوانها عليهم بأساليب خاصة فردية فأيقن أبرهة بإفلاس القليس ما دام للعرب حول الكعبة مقام فبيَّت غزو مكة وتهديم كعبتها المشرفة, وعبأ جيشه وأعلن بالزحف.