"وإذا كان علماء التفسير- على مدى العصور- قد ذكروا تلك المعاني السامية الرائعة لاسم (المؤمن) سبحانه، فإنه يبدوا لي أن هذا الاسم الكريم يعنى- بإِجمال هذه المعاني- أنه- جل وعلا- الطاهر الذي لا تعلق به شائبة ولا نقيصة، لأنه الكامل في كل صفاته كمالا مطلقا، وهو الذي يهب الأمن لعباده، فيؤمنهم جميعاً من الظلم لأنه سبحانه يتنزه عنه، ويؤمن قلوب المرسلين والمؤمنين بهم بما أنزل من الحق، ثم يؤمنهم من عذابه، لأنهم أولياؤه الذين آمنوا به ووحدوه وجردوا له العبادة، ويؤمنهم في الدنيا من كل خوف وحزن، كما قال تعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ] يونس آية ٦٢ [، ويؤمنهم في الآخرة من الفزع الأكبر كما قال سبحانه:{لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} ] الأنبياء آية ١٠٣ [بل سيجعلهم شهداء على الناس ويجعل الرسول صلى الله عليه وسلم شهيداً عليهم يوم القيامة، كما قال تعالى:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ] الحج آية ١٧٨ [٠"
فاسم (المؤمن) - سبحانه- يشمل كل حسن وجمال وخير، يشيع أثره في هذا الكون:
أنظر إلى الأمن الذي يغشى الناس في أسرابها، والطيور في أوكارها، والأسماك والحيتان في بحارها، والزواحف في جحورها، وأسراب النمل في شقوقها، وجماعات النحل في بيوتها: حين تأكل، وحين تشرب، وحين تنام، وحين تتزاوج، وحين تتوالد. أنظر إلى الأمن السائد في كل المخلوقات، والطمأنينة المبسوطة على كل الكائنات، لتجد أن ذلك كله من آثار اسم (المؤمن) جل جلاله، الذي يهب الحياة لخلقه، ويهب الأمن للأحياء.