للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنصر الله وعنايته إذا لاحظت إنسانا أو مجتمعا، فليس في حاجة إلى القوة الزائدة، وليس في حاجة إلى كثرة العدد والمعدات، وإنما هو في حاجة إلى إيمان عميق، وقرب منه سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع، والإخلاص لوجهه الكريم، ثم بعد ذلك الاستعداد والأخذ بالأسباب.

وما أرى الملك عبد العزيز إلا قد أخذ بكل هذه الأسباب، فكم من موقعة دخلها، ومن معركة خاضها، وكان العدو الذي أمامه أكثر عدة، وسلاحا ونفرا، ولكن نصر الله كان معه، فتنهى المعارك بالتأييد والغلبة. {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: ١٠) .

ولعلنا نذكر دائما تلك الحفنة من التراب التي أخذها الرسول صلى الله عليه وسلم من الأرض، ثم رمى بها القوم، حينما أراد الهجرة من مكة إلى المدينة، وقد تجمعوا حول بيته طوال الليل، ينتظرون خروجه لقتله، وقد كانوا مدججين بالسلاح، في جمع غفير من مشركي أهل مكة، تجمعوا على الباطل، وعلى إطفاء كلمة الله، فلم تغن عنهم أعدادهم، ولا وفرة ما كان معهم من وسائل القوة، وكأنما حفنة التراب هذه، كانت محملة بمادة كيماوية، تنشر سحابة ضبابية، تحجب الرؤية عندما تتدخل المقادير، فتمنع النور أن يصل إلى الأبصار. {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} (يس:٩) .

ولحفنة التراب موقعة أخرى، ورمية ثانية، وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يؤكد لنا أن نصره لعباده المخلصين لا يكون بما يقدمون، ويستطيعون من قوة، ومن رباط الخيل وحده، وإنما النصر والفوز من عنده سبحانه وتعالى؛ فنحن ما نزال نقرأ ونسمع ونلتمس العلل والأسباب، ونذكر يوم بدر والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يدعو الله، ويتضرع إليه، ثم يسجد لربه جل وعلا، ويطيل السجود، ثم يرفع بصره إلى السماء، وقد رمى صلى الله عليه وسلم القوم بحفنة من التراب وقال: