أما الصفات الخُلقية: فقد تجمعت فيه كل الصفات الكريمة، التي تعارف عليها الناس، فنراها متأصلة فيه، ومكتملة بلا حدود، ولقد برّز فيها، وفاق الخاصة والعامة، وأصبحت وكأنها عَلَمٌ عليه وحده لأنها نابعة من وجدانه وقلبه، ومن ذكائه النادر، لقد كان فريدا في كل ما كان يقوم به، وقد استفاد مما لاقاه في صغره، وقد ترك عاصمة ملك آبائه وأجداده، واتجه إلى الصحراء القاتلة متحملا شظف العيش، وقسوة الأيام، يتنقل من مكان إلى مكان، إلى أن وصل إلى الكويت، وهناك كانت العبرة والعظة.
ولقد ترك فيه أعظم الأثر الروح الدينية العالية، والعقيدة الصافية الصحيحة، التي آلت إلى الإمام الوالد - رحمه الله - وهي التي توارثها عن الأجداد، وعض عليها بالنواجذ، وأسلمها إلى ابنه عبد العزيز الذي توسم فيه الخير، فعاهد الله على الحفاظ عليها، وبناء الدولة من أجلها، وظلت تنبع من كوامنه، وقلبه وعقله، ولم يفضل عليها أبدا غيرها.
"والله ثم والله إن العجوز القابعة في وكرها، والتي لا تملك من الثياب إلا الأطمار البالية، وهي تعبد الله وحده عبادة خالصة، هي أحب إلى قلبي من أي إنسان بلغ من العظمة والشأن ما بلغ، إذا كان لا يؤمن بالله إيمانا صادقا خالصا، ولا يعمل بما جاء في كتاب الله"[٨] .
من هذا المنبع الأصيل، ومن هذا البيت العريق، ومن الدين القويم، استمد الإمام عبد العزيز كل صفاته، فجاءت نموذجا لا يبارى.
كان رحمه الله كريما، وهي أول صفة يجب أن يتحلى بها أصحاب المبادئ والقيادات، وإذا تحلى المرء بهذه الصفة، فقد هانت بعدها كل الصفات؛ لأن الكرم أول انطلاقة للإنسان ليمحو بها الحرص على الحياة، ويقضي على الاستماته في سبيلها، وإذا هان المال في عين الإنسان، فليس في الدنيا عزيز يقلل من همته.