أما إذا كان لابد من الحرب، فهو الفارس المغوار، الذي لا يشق له غبار، ولكن أعظم من الشجاعة أن يتملك الإنسان نفسه فلا يتهور، فما أكثر الشجعان الذين أدت بهم شجاعتهم إلى ما لا تحمد عقباه، لكن الملك عبد العزيز كان أملك لها، ولا يدعها تكون عليه، بل دائما كانت له.
كثيرا ما سنحت الفرصة لينتقم من أعدائه، وكثيرا ما أُتِي له بالجلادين والسفاحين، والدم يتقطر من سيوفهم، بل وكثيرا ما حاصر المعتدين في أماكنهم، وكان في إمكانه أن يشعل فيهم النار جزاء صنيعهم، ولكنه كان يقدر على أن يتحكم في نفسه، وأن يكظم غيظه، وأن يعفو عنهم، بل وأن ينزلهم منزلة أولاده وأهله، وهو يحمد الله على أن أعانه على وجهة الخير التي جبله عليها.
لقد كان بين الملك عبد العزيز والحكام في تركيا عداء مستحكم في ذلك الوقت، وإبان الحرب العالمية الأولى انتهز الإنجليز الفرصة فأشاروا على الملك بأن يقوم بعمل ضد تركيا وهي مشغولة بالحرب، فأبى أن ينتهز هذا الموقف لصالحه، فدل ذلك على الحزم والصراحة والنخوة والعفو.
وهذا تفصيل ما حدث.
فلقد كان الإنجليز يؤلبون العرب على تركيا، التي انضمت إلى ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وحاربت الإنجليز، وبالرغم من أن تركيا لا تزال يتساقط من يديها دم الجريمة في حق آل سعود وعبد العزيز، فقد حضر مبعوث الإنجليز السير يرسى كوكس، ودار بينه وبين عبد العزيز الحديث التالي:
قال السير:
"أتذكر يا طويل العمر ما قاسيت من نجدات الترك لعدوك ابن الرشيد؟ "
قال:
"ما حان لي أن أنسى!! ".
قال السير:
"ألا ترى ما يراه الناس من تحفز العراق والشام والحجاز للثورة على الترك؟ ".
قال:
"أرى!! ".
قال السير:
"ألا تكون رايتهم رايتك، ولك بعد ذلك ملك العرب، وإن شئت فخلافة الإسلام؟ ".