للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السابقين, والتقدير لجهودهم في تبليغ الكلمة الربانية إلى الناس, والثناء على صدقهم, وتضحياتهم في سبيل إنقاذ الإنسان من براثين الشيطان, وباركت جهادهم, وحيث إخلاصهم: {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [٣٧] .

ويبدو أن الأنبياء الذين بعثوا في الزمن المبكر, لم يتجاوز علمهم بالنبي صلى الله عليه وسلم سوى الإخبار بمبعثه, وأخذ العهد عليهم, أو دعوة حارة تجري على لسان إبراهيم عليه السلام فتفتح لها أبواب السماء, وتلتقي بما قدر الله منذ الأزل: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [٣٨] فلما تأخر الزمان وأنزلت التوراة والإنجيل, توضحت الإشارات وذكرت العلامات, وصار الذين عندهم علم الكتاب على بينة من مجيء رسول {اسْمُهُ أَحْمَدُ} [٣٩] لا يخطئونه. إن رأوه أدركوا يومه. فقد وضح الله لهم كثيرا من علاماته؛ مكان بعثه, مهاجرة, وصفاته. ثم أتى على التوراة والإنجيل ما أتى من التبديل والتغير. وأفسدت الوثنية الدين الذي جاء به عيسى, ودخل أتباعه من بعده في الشرك إذ قالوا: إن الله ثالث ثلاثة. واختفى دين التوحيد فلم يستمسك به إلا رهبان أو أساقفة قلة, منقطعون في الصوامع, أو الكنائس يتجافون عن الناس في شركهم, وفساد عقيدتهم, ولا يجرؤون على النعي عليهم خوفا من بطشهم وتنكيل الحكام بهم. وأغلب الظن أن هؤلاء النفر القليل احتفظوا بصفاء دين عيسى عليه السلام, بما خبؤوا في صوامعهم من صحف الإنجيل الذي كان أقرب شيء إلى الأصل الذي أنزل على نبي الله عيسى عليه السلام. قال ابن هشام لما ذكر الراهب بحيرى: "فلما نزل الركب المصري من أرض الشام, وبها راهب يقال له: بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية, ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب, إليه يصير علمهم