للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [٣٥] فصار الناس بذلك على موعد مع الزمان بمبعث نبي نوه الله بذكره, وأخذ العهد له عليهم منذ الزمن السحيق. وفي الآية دلالة بينة على علو مكانة النبي الموعود به, والحقبة الزمنية المبعوث فيها. ومن ثم ألح بدعوته منذ أجيال وأجيال. وبهذا يجعل الله ميعاد مبعثه منارة تاريخية, يجمل أن نتخذه حدا فاصلا في التاريخ البشري؛ ما كان منه قبل محمد وما يكون منه بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وكان احتفاء الله به عظيما؛ لأنه في تقديره - عز وجل - وتوقيته له, حدث ثقيل في حياة البشر ومستقبلهم. وكيف لا يكون شيئا ثقيلا وحاضرهم في الدنيا, ومستقبلهم الأخير يوم القيامة مرهونان بما حققا من اقتراب منه, وتصديق به, أو ابتعاد عنه وتكذيب. وبهذا يتجلى المعنى التاريخي الإنساني العظيم في الآية التي تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس, على جبل الرحمة, في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [٣٦] كان يوما مشهودا فاضلا تمت فيه الكلمة الإلهية والنعمة الرحمانية على بني آدم. وكان الله جعل من هذا اليوم قبلة زمانية اتجهت إليها أفئدة الأنبياء والمؤمنين بهم, إقرارا منهم على أنفسهم بأن كلا منهم مرحلة في تاريخ النبوات, وحلقة في سلسلة المرسلين. وشاء الله فأتم السلسلة بمحمد صلى الله عليه وسلم فجاءت رسالته لا يجهلها المؤمنون الصادقون من أهل الكتاب, يعرفونها {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} , وهي تحمل الإيمان بالرسل