في أن الحياة الدنيا لعب ولهو، ليس لها نفع يدوم، وليس من ورائها طائل، فالانصراف إلى اللعب واللهو فيها اشتغال بما لا غنى فيه ولا فائدة من ورائه.
وفي أن الحياة الآخرة هي خير للذين يتقون الله بطاعته واجتناب معاصيه، فالآخرة هي التي تدوم وتبقى، لا يدركها فناء ولا موت، فالاشتغال بأعمالها والانصراف إلى ما ينفع فيها هو ما يقتضيه العقل السليم والنظر الثاقب.
تقدم ما تضمنته هاتان الآيتان الكريمتان في الرسالة التاسعة عند بيان معنى الاستفهام في قوله تعالى {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ} ... الآية.
أما الاستفهام الذي جاء في قوله تعالى:{أَفَلا تَعْقِلُونَ} فهو استفهام إنكار وتوبيخ لهؤلاء الخلف من اليهود الذين ورثوا التوراة عن أسلافهم يأخذون العرض الأدنى والرشا الخسيسة على أحكامهم المخالفة لما جاء في التوراة ويقولون سيغفر لنا الله. إنكار وتوبيخ لهم أن لم يدركوا أن ما عند الله في الدار الآخرة خير للذين يتقون ربهم فيحكمون بين الناس بالعدل، خير لهم من هذا العوض الأدنى والرشا الخسيسة التي يستعجلونها في هذه الدنيا بالحكم على خلاف ما أمر الله، والقضاء بين الناس بالكذب المفترى على التوراة.