للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واكتنفته أخوته يساعدونه يعملون لبيتهم ولأنفسهم، لا خلاف ولا نزاع، ولكن أبناءهم من بعدهم لم يكونوا مثلهم في ضبط النفس، والحفاظ على وحدة الحكم فحمي وطيس المنافسة بين أبناء العمومة: بين بني عبد مناف وبين بني عبد الدار. وكان لكل فريق أنصار، ومؤيدين متكافئون وأتى على قريش يوم إذا البيت الحاكم فيه بيتان، وإذا القبيلة قبيلتان، قد تعاقد كل فريق على الموت والفناء فلم يبق إلا السيف والدم، وكانت هذه اللحظة شديدة الحرج، بالغة الخطورة في حياة قريش، ومستقبلها كله، فكان الضياع والخسران والغدر الماحق في انتظارهم جميعاً. وإذا تكافأت القوى المتصارعة وخاف الخطر الناس جميعاً أتيح للعقل دور، وللحكمة مكان. وهكذا كان إذ تداعى الفريقان إلى الصلح، وانتهى الاتفاق إلى إشراك بني عبد مناف في حكم مكة. ثم لم يلبث بنو عبد مناف أن عزوا بني عبد الدار بمكارمهم ومآثرهم، فأخملوا ذكرهم وانصرفت السيادة لبني عبد مناف، وارتفع المجد والشرف بهم. وتعلقت بهم قلوب قريش من غير إكراه وظفروا بتقدير واحترام غيرهم من الأمم بما أوتوا من كياسة وخطة حكيمة نفعوا بها بلدهم وقومهم.

والحق أن البيت المنافي ظهر فيه شخصيات لم يظهر لها نظائر في بيوتات قصي الأخرى. كان هاشم بن عبد مناف من أقواها، وعبد المطلب بن هاشم من أعلاها قبل الإسلام. وقد أقرت قريش كلها بالسيادة لهما. ولكن النزاع الأول خلف وراءه مضاعفات نشأت منها أعراض خطيرة في قريش: لا شك أن قريشاً عند النزاع لم تختلف فيما بينها على زعامة آل قصي إذ كانت تسلم بزعامة هذا البيت تسليما، وما كان فيها أحد على مستوى المنافسة، وإنما كان الخلاف على أبناء قصي يكون زعيماً. ولكن الخلاف بعث في قريش حركة سياسية: دبت خفية، ثم حبت خفيفة. ثم سمعت عاملة نشيطة: