قال الإمام الشافعي:"ومنعني أن أقول إن صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على الجماعة بحال تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولم يقل لا تجزئ المنفرد صلاته، وأنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا، وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد، فصلى كل واحد منهم منفردا"[٢١] .
قال القرطبي: ولا يقال إن لفظة (أفعل) قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى: {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} . لأنا نقول: إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة (أفعل) مطلقة غير مقيدة بعدد معين، فإذا قلنا: هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلابد من وجود أصل العدد.
ولا يقال: يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله: صلاة الفذّ صيغة عموم فيشمل من صلى منفرداً بعذر، وبغير عذر فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل، وأيضاً ففضل الجماعة حاصل للمعذور [٢٢] .
ويحتج على الظاهرية القائلين بالوجوب بحديث أبي هريرة أنه بمقتضى مذهبهم لا يدل على وجوب الجماعة في غير الفجر والعشاء، لأنهم يأخذون بالظاهر، فإذا ثبت أن الصلوات الأخرى غير واجبة، وجب أن نحمل حديث أبي هريرة على غير الوجوب أيضاً لأن الصلوات الأخرى لا يختلف حكمها.
فإذا كان كذلك وجب تأويل حديث أبي هريرة حتى يصلح أن يكون حكمه مثل الصلوات الأخرى.
وإليكم بعض هذه التأويلات نقلاً من الحافظ:
١- أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين، فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه.
وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه كما أن تركه لهما حال التحريق لا يستلزم الترك مطلقا لإمكان أن يفعلها في جماعة آخرين قبل التحريق أو بعده.
٢- إنها لو كانت شرطاً أو فرضاً لبين ذلك عند التوعد.