الانقياد في العمل واضح لا حاجة لتوضيحه، فإن كلنا يعرف أن معناه أن نعمل كما أمرنا الله بوساطة كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم فنأتي بما أمرنا به ونحذر عما نهى عنه.
أما الانقياد في الحياة الفكرية فمعرفته أدق من هذا، لأن له ثلاث شعب وإحدى شعبها معروفة عند الخواص والعوام، وشعبتان منها لا يعرفهما إلا أخص الخواص.
أما الشعبة الأولى المعروفة عند الناس فهي: شعبة العقيدة، وحقيقتها أن نعتقد ما أمر الله به أن نعتقده ونؤمن ونستيقن به، فنؤمن بوحدانية الله تعالى مثلا، ونستيقن أن الشرك بأقسامه كلها باطل، وكذلك نؤمن برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبأن القرآن كلام الله وكتابه، وقس على هذا.
وأما الشعبة الثانية التي هي غير معروفة عند الناس فهي: شعبة الوجهة الفكرية.
وأما الشعبة الثالثة التي هي أيضاً غير معروفة عندهم فهي: شعبة منهاج الفكر أي طريق التفكر. والإسلام يطالبنا بالانقياد في هاتين الشعبتين أيضا كما يطالبنا بانقياد فكرنا وذهننا في الشعبة الأولى، ولابد لحصول الإسلام الكامل من انقياد أفكارنا لأوامر الله تعالى ونواهيه في هاتين الشعبتين أيضاً، وسنلقي الضوء على هاتين الشعبتين مفصلاً في السطور الآتية لدقتهما وخفائهما على أكثر الناس.
الوجهة الفكرية:
إن الله العليم الحكيم خلق الإنسان وأعطاه القوة الفكرية، وهذا العطاء عام للمؤمن والكافر والتقي والفاجر، فإنه لا فرق بينهما في نفس القوى الذهنية والاستعداد للتفكر والتأمل والنظر، أما ما يميز المؤمن من غير المؤمن من هذه الناحية فأمران:(الوجهة الفكرية) و (المنهاج الفكري) ونقدم تنوير الوجهة الفكرية: