الثالث: إن دعوى الإجماع غير صحيحة، فالإجماع يكون صحيحا بعدم المخالف، لا بعدم العلم بالمخالف، وفرق بين عدم المخالف وعدم العلم به.
أما الأئمة مالك والشافعي وأحمد فيقولون إن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين لا يجب للمدعي بنكوله شيء، وإنما ترد اليمين إلى المدعي، فإذا حلف استحق المدعى به. وتوجيه هذا القول هو أن نكول المدعى عليه أضعف من شاهد المدعي، فالأولى أن يقوى بيمين الطالب، إذ النكول ليس بينة من المدعى عليه ولا إقرارا، فلم يقو على الاستقلال بالحكم، فإذا حلف معه المدعي قوي جانبه [٤] .
قالوا: وإن هذا المعنى يستفاد من الآية الكريمة في شأن الوصية في السفر {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِم ... } الآية (المائدة ١٠٧-١٠٨) .
ووجه الاستدلال في الآية أنها أفادت رد اليمين إلى الجهة التي شرعت فيها أولا وهي الشاهدان إلى غيرهما، ويؤخذ منه رد اليمين من المدعى عليه إلى غيره [٥] .
وكذلك استدلوا بما رواه الدارقطني والحاكم في المستدرك وصحح إسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رد اليمين على طالب الحق [٦] .
ومع أن هذا المذهب أظهر من سابقه وأرجح لكونه اعتمد على أدلة نقلية منها ما هو منطوق في محل النزاع كحديث ابن عمر رضي الله عنه، إلا أنه لم يسلم أيضا من انتقاد وجه إليه، ويتلخص هذا الانتقاد في: