أما في اصطلاح الفقهاء، فقد عرفها ابن قدامة في المغني بقوله:"القسامة هي الأيمان المكررة في دعوى القتل"[١٣] . ويقول ابن عرفة المالكي:"هي حلف خمسين يمينا أو جزأها على إثبات الدم"[١٤] . وعند فقهاء الحنفية القسامة هي "أيمان يقسم بها أهل محلة أو دار وجد فيها قتيل به أثر، يقول كل واحد منهم ما قتلته ولا علمت له قاتلا"[١٥] .
يتضح من هذه التعريفات أن القسامة هي أيمان قدرها خمسون يمينا يحلفها إما أولياء القتيل يثبتون بها الدم على المدعى عليه كما هو مفهوم جمهور من يقول بها، أو يحلفها من وجد القتيل بين ظهرانيهم ينفون بها نسبة القتل إليهم وهو مفهوم الحنفية.
وقد اختلفوا فما القسامة هل هي قسم من أقسام اليمين؟ أم هي طريق آخر من طرق الإثبات إذ قد يترتب على حلفها عند الجمهور إثبات الدم المترتب عليه القود أو الدية. وعلى كل فإن القسامة طريق لإثبات الدم يقوم على حلف اليمين.
ويحتج جمهور الفقهاء القائلون بالقسامة بالأحاديث الصحيحة التي نصت على مشروعيتها ففي صحيح البخاري عن بشير بن يسار:"زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل ابن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلا، وقالوا للذي وجد فيهم قتلتم صاحبنا، قالوا: ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا. فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا. فقال: الكبر الكبر. فقال: لهم تأتون بالبينة. فقالوا: يا رسول الله مالنا بينة. قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة"[١٦] .