ورواية مسلم وأبي داود:"يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته. قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف. قال: "تبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم". قالوا: يا رسول الله قوم كفار، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله". قال سهل:"فدخلت مربدا لهم فركضتني ناقة من تلك الإبل برجلها"[١٧] .
وعند الترمذي "تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم قاتلكم ... " ثم ساق الحديث.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع أيمان القسامة. وفي الروايتين الأخيرتين أجاز لأولياء القتيل أن يحلفوا خمسين يمينا على من اتهموه في بالقتل، ويستحقون بهذه الأيمان دم القاتل، وإلا حلف المتهمون خمسين يمينا لتبرئة أنفسهم من الاتهام الموجه إليهم.
ويتضح أيضاً من هذه الأحاديث اعتماد المدعين على قرينة العداوة بين اليهود والأنصار مما دعاهم إلى توجيه تهمة القتل إليهم، لاسيما وقد وجد القتيل بينهم، وقد أجاز لهم النبي صلى الله عليه وسلم الحلف على ذلك.
هذا ولم يخالف في الأخذ بالقسامة إلا ما روى عن سالم بن عبد الله وسليمان ابن يسار وقتادة وأبى قلابة وعمر بن عبد العزيز والبخاري، محتجين بأن القسامة تخالف أصول التشريع الإسلامي، إذ أن الأصل في الشريعة ألا يحلف أحد إلا على ما علم قطعا أو شاهد حسا، فكيف يقسم أولياء الدم وهم لم يشاهدوا القتل. ويقولون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلطف بالأولياء ليريهم أنه كيف لا يلزم الحكم بها في الإسلام لأنها كانت من أحكام الجاهلية. ويحتجون أيضا بأن الأيمان لا تأثير لها في الدماء فلا تصلح لإشاطتها. وتخالف القول بأن البينة على المدعى واليمين على من أنكر [١٨] .