وأجاب من أخذ بالقسامة عليهم بأن القسامة أصل قائم بنفسه قررته السنة النبوية الشريفة كسائر السنن المقررة للأصول، وأنه يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم أنه قتله، وللإنسان أن يحلف على غالب ظنه. ثم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل لهم استحقاق دم القاتل بقوله:"وتستحقون دم صاحبكم"أو "ويدفع إليكم برمته". وليس ثمة ما يمنع أن تكون الأيمان سبيلا لإشاطة الدماء أي إهدارها مادامت الأيمان تؤدي إلى إثبات القتل [١٩] .
علم القاضي:
وقد اختلف الفقهاء أيضاً في قضاء القاضي في حادثة بناء على علمه بحقيقتها فإن كان الحق المدعى به من حقوق الله الخالصة -كالحدود- فهذه اتفقوا على أنه لا يقضي فيها بعلمه، اللهم إلا ما روي عن ابن حزم الظاهري بجواز ذلك. أما إن كان من حقوق العباد -كالبيع والشراء- ففيها اختلاف بين الفقهاء.
قال متقدمو الحنفية:"إنه لا يجوز للقاضي أن يقضي بناء على علمه الشخصي فيها"، وعن محمد بن الحسن "لا يقضي بشيء أصلا". وهو ما أفتى به المتأخرون منهم.
جاء في البحر الرائق:"علم القاضي بشيء ينفذ القضاء في غير الحدود، وأما القصاص، فله القضاء بعلمه كما في الخلاصة، وتركه المصنف للاختلاف وظاهر ما في جامع الفصوليين أن الفتوى على أن القاضي لا يقضي بعلمه لفساد قضاة الزمان"[٢٠] .
وقول ابن حزم والمتقدمين من الحنفية هو أيضا رواية عن أحمد وقول للشافعي.
أما المشهور عند المالكية والرواية الأخرى لأحمد والشافعي لا يجوز للقاضي الحكم بعلمه الشخصي في الدعوى.
ويستند هذا القول الأخير- الذي يمنع القاضي من الحكم بناء على علمه - على أمرين:
الأول: إن قضاء القاضي بعلمه يعرضه إلى التهمة والريبة، والقضاة مأمورون بصيانة أنفسهم عن التهم. كما يؤدي إلى زعزعة الثقة بالقضاء وبأحكامه.