والأمة هي مجموعة الأفراد الذين تتألف منهم، فإن تحقق في هؤلاء الأفراد ما يرتفع بهم عن المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى ارتفعت الأمة بهم وعرفها الجميع بأنها أمة مجدة عاملة ذات مستوى عال ومقام محترم، وتمكنت هذه الأمة من فرض احترامها على الغير بما يتحلى به أفرادها من صفات سامية وهمم عالية ومثل أعلى رفيع المنال بعيد الغاية.
والأمة الإسلامية اليوم في بداية يقظة وقد أدركت أنها متخلفة عن ركب الحضارة, وأن منطلقها إن لم يكن بمثل القوة التي تدفع بالغير للتفوق في ميادين العلم والعمل، بقيت مستذلة مستضعفة، لأن العلم - بمفهومه الواسع - يحتاج إلى شباب يؤمنون بضرورته، ويعملون على تحقيقه لينتج أثره فيهم. ولن يتم لهم ذلك إن لم يكن التفوق مبتغاهم وهدفهم في كل حقل وفي كل ميدان.
والتفوق يحتاج إلى همم عالية وعزم شديد وإقدام ودأب، ويجب أن لا يكون التفوق مقصوراً على فئة دون أخرى أو على ناحية دون ناحية، لأن أمور الحياة متشابكة ومتداخلة، ولابد من التفوق في كل ميدان وفي كل منطلق حتى نتدارك ما فات، ونلحق بالركب الحضاري ومن ثم نكون له هداة ومثلاً أعلى.
وبداية المنطلق في خط التفوق تبدأ في كل طالب وعامل، فإن جعل هدفه قريب المنال تباطأت همته وقصرت خطواته وإن جعله بعيد المنال وعزم على أن يناله اطرح الملاذ والشهوات جانباً وعمل بجد ودأب، وبإخلاص وعزم وإذا به بعد فترة من الزمن يجد نفسه مقصراً، وهو المجد، ويجد نفسه أنه لا يزال جاهلاً وهو الذي قطع شوطاً كبيراً في التعلم، لأن بعد الغاية يستتبع التعالي على الدنايا والنظر إلى ما سبق من جهد أنه قليل ولابد من مضاعفته، وهكذا تنطلق الأمة بانطلاق أفرادها في كل ميدان إذ كانت غايتهم تحقيق المثل الأعلى وهو التفوق والوصول إلى أعلى مراتب النجاح في شتى المنطلقات.