والأجدر بنا أن نرجع إلى كتب الحنفية أنفسهم حتى نتعرف عن قرب على رأي الإمام وأصحابه في هذا الصدد ولكن قبل أن نشرع في ذلك ينبغي أن ننبه إلى أن أبا حنيفة ليسَ بعربي.. بل تربى وتأثر بالثقافة والحضارة الفارسية قبل الإسلام.. وعاش في منطقة العراق الحالية حيث كان يسكنها الفرس مع غيرهم من العرب والأجناس الأخرى.. لا غرو أن يجابه الإمام الأعظم وأي إمام في مكانته بمثل هذه المسألة الفقهية التي تعكس الواقع الذي كان يعيشه.. ذلك أن الناس يدخلون كل يوم في دين الإسلام وأنهم يعانون ويجابهون صعوبة في تعلم العربية لوقتها.. فهل من حاجة في أن يعرب لهم المعنى القرآني بلغتهم ليؤدوا الصلاة حتى حفظوا من السور القرآنية ما يغني عن ذلك أم أنه ليس هناك حاجة ابتداء لهذا التجوز؟؟ ولقد واجه هذا الواقع من قبل - ولكن بصورة أخف - سيدنا عبد الله بن مسعود قالوا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يعلم رجلاً أن شجرة الزقوم طعام الأثيم والرجل لا يحسنه، فقال:"قل طعام الفاجر، ثم قال عبد الله ليس الخطأ في القرآن أن نقرأ مكان العليم الحكيم إنما الخطأ بأن تضع مكان آية الرحمة آية العذاب". قلنا الظن بابن مسعود غير ذلك [٥] .
تلكم كانت صورة من البيئة والظروف التي وجد فيها أبو حنيفة نفسه مضطرا لمجابهة مثل هذا الواقع الذي قلما يجابه إماماً كمالك بالمدينة أو الأوزاعي بالشام أو الشافعي بمصر وهاك موجزا لما جاء في كتب الحنفية في هذا الموضوع:
١- من حيث أن القرآن مؤلف من النظم العربي والمعنى معاً فمذهب أبي حنيفة ذلك كمذهب الجمهور.. حتى أن أبا حنيفة يعد كافرا كل من أنكر أن القرآن غير النظم العربي والمعنى معا.