وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، عدداً من الروايات التي وردت في سبب نزولها، ومن هذه الروايات، ما أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه - واللفظ له-، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:
لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع كذا فله كذا، فتسارع في ذلك شبان القوم، وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنائم، جاءوا يطلبون الذي جعل لهم. فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا رِدْءاً لكم، لو انكشفتم لثُبْتمُ إلينا، فتنازعوا، فأنزل الله- تعالى- {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَال......} الآية.
وروى الإمام أحمد- بسنده- عن أبى أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت، عن هذه الآية فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، وجعله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقسَّمه بين المسلمين عن بواء - أي على السواء- " [٣] .
والمعنى: يسألك بعض أصحابك يا محمد عن غنائم بدر كيف تُقسَّم؟ ومَن المستحق لها؟ قل لهم: الأنفال لله يحكم فيها بحكمه - سبحانه-، ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهو الذي يقسمها على حسب حكم الله وأمره فيها.
فاتقوا الله- تعالى- أيها المؤمنون، وأصلحوا ما بينكم من أحوال وروابط، بأن يكون ما بينكم من صلات، يقوم على الألفة والمحبة والمودة وترك الخلاف ...
وفي هذه الإجابة على سؤالهم، تربية حكيمة لهم- بعد أول لقاء بينهم وبين أعدائهم-، حتى يجعلوا جهادهم بعد ذلك خالصاً لوجه الله- تعالى-، وحتى لا تكون أعراض الدنيا، سببا في اختلافهم ...