ب- وفي السورة نفسها، وفي أعقاب غزوة بدر- أيضاً-، ناداهم بصفة الإيمان، ودعاهم إلى الثبات عند لقاء الأعداء، وإلى الإكثار من ذكر الله- تعالى-، وإلى التزام طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونهاهم عن التنازع، وبين لهم سوء عاقبته فقال ـ تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ] الأنفال: ٤٥-٤٦ [.
فقوله- سبحانه-: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} نهي لهم عن الاختلاف المؤدي إلى الفشل وضياع القوة، بعد أمرهم بالثبات والمداومة على ذكر الله- تعالى- وطاعته.
والمتأمل في هاتين الآيتين الكريمتين، يراهما قد رسمتا للمؤمنين في كل زمان ومكان، الطريق التي توصلهم إلى الفلاح والظفر.
إنهما تأمران بالثبات عند لقاء الأعداء، والثبات من أعظم وسائل النجاح، وأقرب الفريقين إلى النصر، أكثرهما ثباتاً ...
وتأمران بمداومة ذكر الله، لأن ذكر الله هو الصلة التي تربط الإنسان بخالقه الذي بيده كل شيء، ولا يعجزه شيء ...
وتأمران بطاعة الله ورسوله، لأن طاعتهما دليل على قوة الإيمان، وصفاء النفوس، وطهارة القلوب ...
وتنهيان عن التنازع، لأنه يؤدى إلى الضعف، والتخاذل، وهوان الأمر، وذهاب القوة ...
ثم تختمان بالأمر بالصبر، الذي هو توطين النفس على ما يرضى الله، وعلى احتمال المكاره والمشاق في جَلَد. وهذه الصفة لابد منها لكل من يريد الوصول إلى آماله وغاياته.
ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهاتين الآيتين الكريمتين:"هذا تعليم من الله- تعالى- لعباده المؤمنين، آداب اللقاء، وطريق الشجاعة، عند مواجهة الأعداء"[٤] .