للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبما رواه- أيضا- الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خباءه - أي خيمته -، ومنا من ينتضل،- أي يسابق بالرمي- ومنا من هو في جَشَره - أي في رعاية دوابه -، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلم لهم. وإن أمتكم هذه جُعِلت عافيتها في أولها [٢٠] ، وسيصيب آخرَها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرقِّقُ بعضُها بعضا [٢١] ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلِكَتِي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يُزَحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يُؤتَى إليه. ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه، وإن جاء آخرُ ينازعه، فاضربوا عنق الآخر. ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية " [٢٢] .

أما بعد: فإن التضامن والتراحم والاتحاد، يزيد الأقوياء قوة على قوتهم، ويرفع عن الضعفاء ضعفهم ...

أما الشقاق والتفرق والتدابر ... فيضعف الأمم القوية، ويمحق الأمم الضعيفة ...

وقد فطن إلى هذا المعنى رجل حكيم، فقد جمع أولاده عندما أحس بدنو أجله، ـ ليلقنهم درسا في فوائد الاتحاد-، ثم أحضر حزمة من العصي قد اجتمعت عيدانها، وطلب منهم أن يكسروها فعجزوا، فلما فرق عيدانها سهل عليهم كسرها، فقال لهم:

كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب، ولا تتفرقوا آحاد

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

فإذا انفردن تكسرت أفرادا

وإذا كان أهل الباطل يتجمعون من أجل نصرة باطلهم ...

فأولى ثم أولى بأهل الحق أن يتضامنوا ويتحدوا، لإحقاق الحق، وإزهاق الباطل.