ولقد بلغ من حرصه على ذلك، أنه عندما كان في سفر مع أصحابه، ورأى أن القافلة حين تستريح يتفرق أهلها، لم يعجبه هذا التفرق، بل دعاهم إلى التجمع والتقارب ...
روى أبو داود عن أبى ثعلبة الخُشَني قال: كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن تفرقكم هذا من الشيطان" فلم ينزلوا بعد منزلا، إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى قال: لو بُسِط عليهم ثوب لعمهم" [١٨] .
هذه بعض الأحاديث من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأعماله، ومنها نرى، كيف كان صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على وحدة المسلمين، وعلى تضامنهم، وعلى إخائهم وترابطهم، ويسوق الإرشادات المتنوعة، التي من شأنها أن تجعل المسلمين- متى اتبعوها- كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ويحذر من الفرقة والتباغض وشق عصا المسلمين تحذيرا شديدا، وأختتم هذه الأحاديث بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم" [١٩] .
أي: ولكنه لم ييأس من الإفساد بينهم، وتغيير قلوبهم، والعمل على تقاطعهم..