ومن ثم كانت دعوة الأنبياء خالصة لله لم يبتغوا بها منفعة لأنفسهم أو جزاء دنيويا. وما من رسول إلا قال لقومه:{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلآَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[٨] .
د - الصبر والثبات والبطولة:
وإن تأنس بالرسل فلتأنس بما كانوا عليه من صبر وثبات وإقدام.
رجل أعزل نازل وحده أمه حتى انقادت له على الإسلام. فبأي سلاح فرق النبي صفوف الخصوم الألداء؟ إنه الصبر والثبات وإني لأحسبه أمضى سلاح في دك أسوار الجاهلية والوثنية.
كانت معركة الرسول صلى الله عليه وسلم بين فئتين غير متكافئتين كما قضت حكمة الله أن ينازل الرسول وحده قوة مناوئة ذات عدد، فلابد من الصمود في وجهها صموداً باسلاً يكشف عن ثبات الحقيقة التي يدعو إليها. ويفضح زيف العقائد التي يتشبث بها الجاهليون وما من نبي إلا جعل الله في عزيمته من الثبات ما تزول منه الجبال وما يزول؛ موقف راسخ، ملءه الحزم والتصميم والإقدام يريد أن يفتح قلوباً مغلقة، وأن ينفذ إلى ضمائر مظلمة وفي نفسه قوة لا تقهر وإرادة لا تنثني، إذ آمن أن الله معه، هذا التحدي نجده في إنذار هود قومه:{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ, إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[٩] .