وأخذت الطائرة تنهب الجو نهبا، فوق المحيط الهادي، الذي كانت قوافل السحاب تتناثر بيننا وبينه، فظهر بها كبساط أزرق مائل إلى الخضرة، وشبه أبيض، وكنا نشاهد قوافل الأمواج الهائجة صفوفا يتبع بعضها بعضا، كما كانت السحب الخفيفة الحمل طائرة فوق الطائرة سائرة إلى حيث أمرها الله، وبدا القمر على يسارنا على شكل نصف دائرة، والسحب العالية تحجبه عنا تارة وتكشف نفسها عن وجهه تارة أخرى.
حقا لقد كانت مناظر عجيبة، ولقد شبهت طائرتنا، وهى تسير في هذا الجو بالعروس التي تهديها عرائس، وهى جميلة، وكل واحدة منهن أجمل وزاد جمالها على جمالهن بسبب وقوعها في وسطهن مثل البدر الذي أحاطت به هالته.
وكنت لا أدرى إلى أين ألتفت لأتمتع بتلك المناظر التي قد لا تحصل لمسافر- هكذا مجتمعة- شمس ساطعة، وسحب جميلة متفرقة، على بحر أمواجه هائجة ترى من بعد كصفوف المصلين ذوو اللباس الأبيض، وقمر يداعبه السحاب فيحجبه تارة ويكشف عنه أخرى، الله أكبر ما أعظم خالق هذا الكون الجميل المنسق الذي يتعاون تناسقه على جماله، ولو أن بني البشر تعاونوا فيما بينهم على حياة سعيدة في هذه الدنيا، فآثر بعضهم بعضا، وكف بعضهم ظلمه عن بعض وبذل كل واحد وسعه في إيجاد الأمن والاستقرار واجتهد أولياء الله في نشر دينه وإعلاء كلمته فأمن الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم لاكتمل الجمال جمال الحياة البشرية وجمال الكون العظيم:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} .