ولكن هذا الإنسان- إلا من شاء الله- كلما زاده الله من نعمه زاد طغيانه وتمرده. {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} .
ويرى العاقل هذا الظلم وهذا الكفران في هذا الإنسان في السفر في الجو وفي البحر وفي البر، وفي الحضر في كل مكان. قد غفل ـ أو مات قلبه ـ عن التفكير في نعم الله التي يجب أن تطرق قلبه في كل وقت ليعود إلى المنعم فيعبده ويشكره.
وعدد البواخر التي شاهدتها في المحيط في هذه المرحلة أكثر من عشر كانت الأولى أكبرها.
مظاهرة عارمة:
وكان منظر السحاب في هذا اليوم – يأخذ بالألباب- وقد شبهته بعدة تشبيهات حسب الحالة التي رأيته عليها.
فشبهته مرة بصفوف المصلين الذين اجتمعت حشودهم في مصلى العيد في الصحراء ـ كما هي السنة ـ كل إنسان بجنب صاحبه، وكل صف وراء أخيه وهكذا كان السحاب: كل سحابة بجانب أختها وكل صف من السحاب وراء الصف الذي قبله.
ورأيته تارة على هيئة مخيم الحجيج في منى وقد ربطت كل خيمة في وتد أختها وبين كل جملة من الخيام وأخرى ممر.
ثم بدا لي- تارة أخرى- كأنه مدينة واسعة، ذات قصور عالية، متناسقة خططت شوارعها بحكمة وإتقان، إلا أنه لا يوجد في تلك الشوارع الزرقاء إلا تتابع الأمواج الهادرة، ومساحة هذه المدينة لا تقاربها مساحة أي مدينة من مدن العالم البشرية.