أما علاقة أهل العقد والحل في الأمة فهي علاقة النائب والوكيل [٢٣] أما كيف ينالون هذه المنزلة فإن الأمة هي التي ترفعهم إلى هذه المنزلة باختيارها لهم صراحة أو ضمنا، وأن السوابق التاريخية تبين لنا وكالة أهل الحل والعقد عن الأمة في عصر الإسلام الأول- عصر الخلفاء الراشدين- كانت وكالة ضمنية لأنهم كانوا معروفين بتقواهم وإخلاصهم وكفاءتهم وعلمهم شهد لهم القرآن الكريم والنبي صلوات الله وسلامه عليه بالثناء العام والخاص عليهم، فما كان هناك من حاجة لقيام الأمة بانتخابهم وتوكيلهم عنها صراحة.
ومن المقاييس المهمة في معرفة نبل هذا العالم أو ذاك لثقة الجماهير رجوعُها إليه في الفتوى، وحضورها دروسه، وترددها على مجالسه، وأخذها برأيه، في أمور حياتهم المختلفة.
ومع ذلك فإننا إذا أخذنا في الوقت الحاضر بنظام الانتخاب المباشر لأهل الحل والعقد ضمن شروط يقرها الإسلام، منها أنه يجب أن تتوافر فيمن يرشح نفسه للانتخاب:
(أ) العدالة الجامعة لشروطها.
(ب) العلم.
(ج) الرأي والحكمة والخبرة [٢٤] .
وإن مثل هذا الانتخاب على هذا النحو المذكور جدير بأن يترجم إرادة الأمة صراحة وتوكيلها لهؤلاء، وهو المناسب لعصرنا لأن إجازة التوكيل الضمني في هذا الزمن قد يفتح باب شر خطير ويؤذن بالفوضى التي تضعها المزاعم الكاذبة والدعاوى الفارغة [٢٥] .
الفرق بين سيادة الرأي العام في الإسلام والنظم الديمقراطية:
(أ) ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن الأمة حين تبدي رأيها عن طريق ممثليها في قضية من القضايا فلرأيها السيادة ولحكمها النفاذ في النظم الديمقراطية الغربية، أما في الإسلام فإن أهل الحل والعقد لا ينفذ رأيهم إلا في الأمور التي لم ينص عليها الشرع ... فإذا جَاء الله بحكم فليس لجماعة من الأمة أن تعارضه وليسر للأمة بمجموعها إن تبطله.