ذلك أنه مهما قل عددها وقلت عدتها فإنها قوية بتماسكها واجتماع كلمتها أمام أعدائها الذين مهما بلغ عددهم وقويت عدتهم فإنهم ضعفاء بتفرق كلمتهم واختلاف مقاصدهم، إذ أنه لا يمكن لجماعة على وجه الأرض أن يتآلف أمرها وتجتمع كلمتها بالمستوى الذي تكون عليه الجماعة الإسلامية ولا بمستوى يقرب منه، ذلك أن الذي ألف بين الجماعة الإسلامية هو الله جل وعلا والذي يؤلف بين الجماعات الأخرى هم البشر أنفسهم، ولا يمكن بحال أن يوضع تشريع الله جل وعلا في المقارنة مع تشريع البشر، بل إن مجرد التفكير في ذلك يعتبر انحطاطاً في التفكير وانقلاباً في المفاهيم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل البشر وأقدرهم على جمع الكلمة ما كان باستطاعته لولا وحي الله الذي يتنزل عليه أن يؤلف بين قلوب البشر:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . (الأنفال: ٦٣) .
أضف إلى ذلك أن الهدف الذي من أجله جمع الله المؤمنين وشرع لهم الجهاد وهو ابتغاء رضا الله جل وعلا والسعادة في الدار الآخرة يدفع المؤمنين إلى التضحية بالأموال والأنفس لأن هذه التضحية هي الطريق الصحيح لبلوغ هذا الهدف، وكلما بالغ المؤمن في بذل ماله ونفسه في سبيل الله كان أسرع إلى بلوغ هذا الهدف السامي.
أما الجماعات الأخرى فان مقاصدها قريبة وأهدافها مقصورة على الحياة الدنيا والسبيل الأمثل للوصول إلى هذه الأهداف هو استبقاء الحياة لأطول فترة ممكنة حتى يتمتع الإنسان بثمرات انتصاره وبالتالي يقع الفشل والتراجع أمام إقدام الجماعة الإسلامية على بذل الأموال والأنفس في سبيل الله.