قال ابن الجوزي في كتابه الوفاء: فإن قال قائل كيف قال: "وبعثت إلى الخلق كافة". ومعلوم أن موسى لما بعث إلى بني إسرائيل لو جاءه غيره من الأمم يسألونه تبليغ ما جاء به لم يجزله كتمه بل يجب عليه إظهار ذلك لهم.
ثم قد أهلك الخلق في زمن نوح، وما كان ذلك إلا لعموم رسالته فقد أجاب عن هذا ابن عقيل فقال:"إن شريعة نبينا جاءت ناسخة لكل شريعة قبلها، وقد كان يجتمع في العصر الواحد نبيان وثلاثة يدعو كل واحد إلى شريعة تخصه، ولا يدعو غيره من الأنبياء إليها ولا ينسخها".
بخلاف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه دعا الكل ونسخ وقال:"لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي". وما كان يمكن عيسى أن يقول هذا في حق موسى، وأما نوح فلم يكن في زمنه نبي يدعو إلى ملته [١٢] .
أما واقع الأمة الإسلامية فبالنسبة للعهد النبوي فتعتبر أفعاله عليه الصلاة والسلام من سنته، وقد كان عليه الصلاة والسلام يرعى جميع أحوال المسلمين، ويتولى جميع شئونهم الدينية والدنيوية فيفتي ويقضي في الحقوق والحدود، ويقود الجيوش ويقسم الغنائم ويؤم المسلمين في الجمع والجماعات، ويكاتب الملوك ويدعوهم إلى الإسلام، ويصالح الأعداء إذا رأى مصلحة المسلمين في ذلك، ويتفقد أحوال المسلمين في تعاملهم بالبيوع والإجارات وأنواع المزارعة وفي النكاح والطلاق والرجعة وفي الاستطباب وتجهيز الأموات وقسمة المواريث فلا يمكن أن يتم أمر في المدينة من أحوال الناس وشئونهم إلا وله عليه الصلاة والسلام حكمة في ذلك من إقرار أو إنكار، وبالنسبة لعهد الخلفاء الراشدين- رضى الله عنهم وعن الصحابة أجمعين- فكذلك، ما كان يبت في أمر من الأمور الدقيقة أو الجليلة إلا بالرجوع إلى كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بالاجتهاد وفق أصول الشرع وقواعده.