للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكني أقول ليس الأمر كذلك، لأن الرحمة أوسع وأشمل، فهي كما قلت عدل وزيادة، وكل الأطراف ترضى بالرحمة، ولكن ليس كلها يرضى بالعدل، مع أن العدل يعتبر رحمة عامة ولكنه قد لا يكون كذلك في ظاهره ومما يدل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الزبير مع الأنصاري فإنه في أول الأمر قال: "إسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك". فلما غضب الأنصاري واتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحيز لابن عمته. قال صلى الله عليه وسلم: "يا زبير إسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر". فإن الحكم الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبني على الرحمة، فقد أمر الزبير بأن يسقي أرضه شيئا يسيرا ثم يرسل الماء، ولم يعطى الزبير كامل حقه، فإنه قريبه ويدل عليه فلما تبين هذا الموقف من هذا المنافق، حكم بالعدل وأعطى كل ذي حق حقه، وقد أشار. إلى هذا المعنى الإمام النووي- رحمه الله- في شرح مسلم [١٨] .

وكذلك حديث الرجل الذي كان منقطعا لعبادة الله مدة طويلة، فلما مات سأله الله تعالى هل أدخلك الجنة بعملك أم برحمتي؟. فقال: بل بعملي، فلما حاسبه الله بالعدل استوجب النار، لكن الله سبحانه عامله بالرحمة التي هي أوسع من العدل فأدخله الجنة.

وقد جاءت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة كلها تصف هذه الشريعة بالرحمة، وتصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وتصف المسلمين بالتراحم بينهم وتأمرهم به، يقول جل ذكره في معرض وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} . (الأحزاب: ٤٣) . وعن المؤمنين: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} . (الفتح:٢٩) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل المرأة الكافرة، والطفل والشيخ الكبير والمنقطعين للعبادة من الرهبان وغيرهم، ما لم يشتركوا في الحرب، وفي الحديث: "من لا يرحم لا يرحم ". والآيات والأحاديث والوقائع في هذه كثيرة لا تنحصر.