كما ألمحت آنفاً أن هذا التشريع يمتاز بأنه خالد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يتطرق إليه التعديل أو التبديل، لذلك فإننا نلاحظ هذه الشريعة مرنة في أحكامها، ولكنها راسخة الأصول، أو كما وصفها أحد الكتاب شجرة ثابتة الأصول متحركة الفروع، ومما يدل على خلود الشريعة وديمومتها واستمرارها وشمولها قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} . (الصف: ٩) . فهذا نص مطلق غير مقيد بزمر وكذلك قوله جل ذكره:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . (الحجر: ٩) . وفي الحديث:"ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم". رواه مسلم.
السابعة: العناية بالدنيا والآخرة:
إن من المميزات الرئيسية للتشريع الإسلامي بصفة عامة، أنه شامل للدنيا والآخرة، علاج للظاهر والباطن، فهو لا يكتفي بعلاج الظاهر دون الباطن، ولا يكتفي بالحديث عن الدنيا دون الحديث عن الآخرة.
ولذلك فإن النظم الإسلامية كلها يجب أن تكون مبنية على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر وبالبعث بعد الموت والمجازات بالعمل إن خيراً فخيرا وإن شراً فشراً، ولاشك أن النظم التي ترتكز على هذه القواعد العظيمة، وتعتبر مستمدة من المنهج الإلهي لا شك أنه سوف يكون لها قدسية في نفوس الناس وأثر كبير وهيبة عظيمة، وإن المسلم الذي يعتقد أنه أن أفلت في الدنيا من قبضة الحاكم فلن يفلح في الآخرة من قبضة الله سبحانه وأنه له بالمرصاد، وأن أعماله وحركاته وسائر تصرفاته مرصودة وأن أنفاسه محسوبة معدودة.