ثالثا: الاقتصار على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات: ثم تكلم عن النسخ. والواقع أن ما أشير إليه من هذه الأمور على أنها خصائص التشريع الجنائي لا يبدوا ذلك واضحا، بل الذي يظهر أن هذه الأمور ليست خاصة بالتشريع الجنائي دون غيره من أقسام التشريع الإسلامي، إن كانت في العبادات، أو الشئون المالية أو الأسرية أو شئون الحرب.
فكثير من التشريعات نلاحظ فيها التدرج كالزكاة والصلاة والصيام والجهاد، فليس التدرج مقتصرا على التجريم والعقوبة، بل نستطيع أن نقول أن التدرج يعتبر صفة عامة للتشريع الإسلامي.
كذلك عدم رجعية التشريع الجنائي على الماضي ليست مقتصرة على الجنايات بل هي صفة عامة للتشريع الإسلامي بجميع أقسامه، والآية التي يستدلون بها وهى قوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} . (الأنفال: ٣٨) . وردت عامة مطلقة في كل شيء من الجنايات وغيرها.
أما الاقتصار على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات، والنسخ فهذه المسائل من الوضوح بحيث لا يحتاج الأمر إلى الكتابة عنها، فهذه من المسائل الخاصة بكثير من الأحكام كالمعاملات، والشئون الاقتصادية ونظام الحكم، وليست مقتصرة على قسم دون آخر، وليس من المناسب الإشارة إليها في معرض الحديث عن خصائص التشريع الجنائي لأنها عامة تشمل كثيراً من الأحكام كما ذكرت.
ومن هذا يتضح لنا أن التشريع الجنائي الإسلامي ليست له خصائص تميزه عن بقية أقسام التشريع، هذا إذا نظرنا إلى التشريع الجنائي بمفهومه العام الذي يدخل فيه الاعتداء على حقوق الله سبحانه وحقوق الناس والاعتداء على الأموال والأعراض والأبدان.
إنما نلاحظ في التشريع الجنائي الخصائص المشار إليها في التشريع الإسلامي بصفة عامة من عدالة وحكمة ورحمة ويسر وغير ذلك من المزايا التي أشرنا إليها.