للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحكمة في التدرج والله أعلم هو أن المجتمع الإسلامي في أول أمره كان ضعيفاً قليل العدد، ولم تكن له القاعدة الشعبية التي تحميه وتؤازره، في حالة الرفض وعدم الاستجابة من قبل الآخرين، فلما قوى المجتمع الإسلامي وازداد عدد المسلمين لم تكن هناك حاجة للتدرج، يدل لذلك أنه في عهد رسوله الله صلى الله عليه وسلم وفي آخر أيام حياته وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين لما فتحوا بلاد الكفار من النصارى والمجوس وغيرهم لم يتدرجوا معهم في التحريم والتجريم والعقوبة، مع أن هذه المجتمعات كانت قد ابتليت بالزنا والربا وشرب الخمر، ومع ذلك فقد ابلغوا بالإسلام كاملا، وطولبوا بالالتزام به جملة واحدة، ويدل لذلك موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع بعض الوفود، كوفد عبد القيس، ووفود اليمن وثقيف، فإنهم عندما أسلموا استأذن بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرب الخمر لأنهم يحتاجون إليها للتدفئة فلم يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما قال أحدهم: إن الناس ليسوا بتاركي هذا الشراب أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم جمالها بمقاتلتهم، ومنهم من استأذن في الزنا أو في ترك الصلاة فكلهم لم يأذن لهم رسول الله بذلك، فلو أن هناك تدرجاً لاستجاب لهم رسول الله ولتدرج معهم.

ولكن لا مانع أن تستخدم سياسة التدرج في التجريم والعقوبة في الجرائم التعزيرية، فعندما يبتلى الناس بعادة سيئة، أو ينتشر بينهم خلق دميم، فلا مانع من التدرج في تحريم ذلك بتتبع مصادره أولا، وإيجاد البديل عنه، ثم تحريمه ثانيا، والمعاقبة على فعله بالعقوبة المناسبة.

ثانياً: عدم رجعية التشريع الجنائي على الماضي:

وينبني على هذا التدرج التشريعي أن المذنب لا يعاقب إلا بمقتضى النص الذي يكون ساريا وقت ارتكابه جريمته، أي أن النص لا ينسحب على ما مضى من الوقائع، ثم أورد بعض الأدلة من القرآن.