وهذا الكلام يدل دلالة واضحة على أن أعظم فتنة ابتليت بها البشرية إنما هي فتنة الغلو الذي جاء التحذير منه في غير ما آية وحديث، وقد تقدم من الآيات ما يوضح ذلك. أما الأحاديث فمنها ما ثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله". وثبت في سنن أبي داود والترمذي، وابن ماجه، من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إياكم والغلو فإن ما أهلك من كان قبلكم الغلو".
وهذه نصوص صريحة، وواضحة في أن سبب الانحراف عن العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة إنما هو ذلك الغلو ومجاوزة الحد الذي أدى بالتالي إلى صرف العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، الأمر الذي من أجله بعث الله الرسل لإعادة الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ذلكم هو الهدف الأسمى الذي أوجد الله من أجله الثقلين، الجن، والإنس. فكل عاقل في هذا الوجود يعرف أنه مخلوق لخالق، ومربوب لرب أوجده بعد العدم.
لو طرح سؤال مفاده: لماذا خلقت في هذه الحياة؟ ولماذا فضلت على سائر الكائنات الأخرى؟ وما هي مهمتك في هذه الحياة؟.. فإن الجواب عند المؤمن حاضر بكل بساطة: إن كل صانع يعرف سر صنعته، لماذا صنعها.. ولماذا صنعها على نحو معين دون غيره ...
والله تعالى هو صانع الإنسان وخالقه، ومدبر أمره فلنسأله: يا رب لماذا خلقت هذا الإنسان؟ هل خلقته لمجرد الطعام والشراب.؟ هل خلقته للهو واللعب؟ هل خلقته لمجرد أن يمشي على التراب، ويأكل مما خرج من التراب، ثم يعود كما كان إلى التراب، فإذا لم يكن الأمر كذلك فما سر هذه القوى والملكات التي أودعها الله الإنسان من عقل وإرادة وروح.