وأهل الكتاب هنا، هم اليهود، والنصارى، فنهاهم عن الغلو في الدين، ونحن كذلك، كما قال تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
والغلو كثير في النصارى فإنهم غلوا في عيسى عليه الصلاة والسلام، فنقلوه من حيز النبوة إلى أنْ اتخذوه إلهاً من دون الله، يعبدونه كما يعبدون الله، بل غلو فيمن زعم أنه على دينه من اتباعه، فادعوا لهم العصمة، واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقاً أم باطلاً، ناقضتهم اليهود في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، فحطوا من منزلته حتى جعلوه ولد بغي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن تشبه من هذه الأمة باليهود والنصارى، وغلا في الدين بافراط أو تفريط، وضاهاهم في ذلك، فقد شابههم، كالخوارج المارقين من الإسلام الذين خرجوا في خلافة علي بن أبى طالب رضي الله عنه، وقاتلوهم حين خرجوا على المسلمين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك من عشرة أوجه في الصحاح، والمسانيد وغير ذلك، وكذلك من غلا في دينه من الرافضة والقدرية والجهمية، والمعتزلة. وقال أيضاً: فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى الإسلام وقد مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان، قد يمرق أيضاً من الإسلام، وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه، حيث قال:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} أهـ.