وتكرم عن مثل ذاك البيع
وقال آخر:
تُلي الكتاب فأطرقوا، لا خيفةً
لكنه إطراق ساهٍ لاهي
وأتى العناء، فكالحمير تناهقوا
والله ما رقصوا لأجل الله
دفٌ ومزمار ونغمةُ شادن
فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثَقُلَ الكتاب عليهمُ لماّ رأوا
تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعداً وبرقا, إذ حوى
زجراً وتخويفاً بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن
شهواتها، يا ذبحها المتناهي
وأتى السماعُ موافقاً أغراضها
فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع
أسبَابَه، عند الجَهول الساهي؟
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه
خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه
وانظر إلى النسوان عند ملاهي
وانظر إلى تمزيق ذا أثوابه
من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
وما وصفه الشاعر من أحوال هؤلاء الناس يعطى صورة حقيقية عن مدى الانحراف الذي وقعوا فيه حيث بلغ بهم الحال إلى اعتبار الرقص والغناء عبادة تقربهم إلى الله بدعوى أن تلك الرقصات والأنغام الصوفية إنما هي نابعة من قلب مفعم بالمحبة، فجعلوا محبتهم للخالق مشابهة لمحبة المخلوق للمخلوق من وجود العتاب، والعذل واللوم والغرام، ونحو ذلك مما يجب أن ينزه الله عنه. لأنه لا يليق بجلال الله وعظمته.
ولكن الدليل والبرهان على محبة القلب لله وخضوعه له إنما يتجسد في اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} . فلا يكون محبا لله إلا من اتبع رسوله.
وطاعة الرسول، ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية.