وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته صلى الله عليه وسلم ويدعي من الحالات ما لا يتسع هذا الموضع لذكره، حتى قد يظن أحدهم سقوط الأمر. وتحليل الحرام له، وغير ذلك مما فيه مخالفة لشريعة الرسول وسنته وطاعته.
بل قد جعل الله أساس محبته ومحبة رسوله، الجهاد في سبيله. والجهاد يتضمن كمال محبة ما أمر الله به. وكمال بغض ما نهى الله عنه. ولهذا قال في صفة من يحبهم ويحبونه:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} . ولهذا كانت محبة هذه الأمة لله أكمل من محبة من قبلها وعبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم. وأكمل هذه الأمة في ذلك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان بهم أشبه كان ذلك فيه أكمل.
"هذا صنف".
والصنف الثاني وهم المُفَرّطون الذين غلطوا في فهم حقيقة العبادة وهم الذين ظنوا أن المحبة تنافي أدب العبودية، ولا تصاحب خشية الله ومخافته التي يجب أن يتصف بها كل عبد لله. كما ظن أن المحبة لا تتحقق من المخلوق للخالق، إنما المطلوب منه الطاعة والخضوع فقط.
ولذا نجد بعضهم يقول اللهم إني أعبدك لا طمعاً في ثوابك ولا خوفاً من عقابك، فانظر يا أخي المسلم، كيف فصلوا بين العبادة وبين الخوف والخشية، والمحبة، والرجاء.
والحقيقة أن المحبة لا تنافي الخشية، والمخافة بل الخوف لازم للمحبة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، إذ ليس عند القلب السليم أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له.