للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا نستطيع أن ندرك أن العبادة التي قصد إليها الشارع، والتي تعلى الإنسان وتشرفه، وترفع من قدره ومكانته، وتجعله يحس بإنسانيته وكرامته، هي تلك التي تجمع بين الخضوع لله تعالى، والمحبة له، والخشية منه.

وكلما اكتملت هذه المعاني في عبد كان أقرب إلى ربه، وأكرم عليه من غيره، وأحق بالأمانة في الدين، وقيادة المتقين، والحديث عن رب العالمين.

وأساس الخضوع لله تعالى هو: الإحساس الصادق بهيبته وعظمته، وسلطانه وقدرته، وأنه المعطي المانع، الضار النَافع، المحيي المميت، الخافض الرافع، المعز المذل، السميع البصير، الغني عن كل ما سواه، والمحتاج إليه جميع ما عداه.

والإنسان يكون في قمة التواضع، إذا سجد لخالقه ومولاه، وقام بحق مَنْ خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، وهو في ذلك يكون في أسمي حالات القرب، وأرجى أسباب القبول. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" [٧] .

وفي معناه قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} ] العلق: ١٩ [وفي السجود: كمال الخضوع والانقياد لمن بيده ملكوت كل شيء، وهو الله رب العالمين وكمال الخضوع إنما يتم إذا استجاب العبد لربه، وآثره على ما سواه، وقدم شريعته على كل الشرائع، وأمره على كل الأمور، وعرف معرفة الشاكرين عظيم حقه عليه، ورحمته به، وجميل إحسانه إليه.

والإنسان الذي يحسر بعظيم فضل ربه عليه وإحسانه الدائم، وعفوه وستره. ورحمته ومغفرته، فإنه يحب ربه أعظم الحب، ويتفانى في إرضائه أشد التفاني ومعنى حبه لله، أن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، مسارعا إلى مرضاته، فارا من سخطه إلى رضاه ومن معصيته إلى طاعته، ومنه إليه.