للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمساجد تتجلى فيها عظمة الله وحده، فلا عظمة فيها لمخلوق ولا اختصاص لعظيم أو كبير، ولا فضل لذي حسب أو نسب، وهو مكان مشاع يتساوى فيه الناس جميعا، الحر منهم والعبد، والحاكم والمحكوم، والغني والفقير، قال تعالى في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ] الحجرات: ١٣ [.

وشرع الله الجماعة للصلاة، وأبان الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضائلها فقال:"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة" [١٧] .

وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم على تركها، والتخلف عنها وأشار إلى أن ذلك من سمات المنافقين فقال عليه الصلاة والسلام:"والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم" [١٨] .

وقال عليه الصلاة والسلام:"عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " [١٩] .

وإذا حضر المؤمن الجماعة، عرف إخوانه وعرفوه فلو غاب عنهم سألوا عنه فإن كان غائبا دعوا له- ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة- وإن كان مريضا عادوه فأثيبوا وأجروا، وجبروا خاطره وأدخلوا السرور عليه، وإن كان حاضرا زاروه، فتوطدت أواصر الأخوة، وتأكدت أسباب التضامن والمحبة.

بل إن في الجماعة بجانب ما سبق، حكم جليلة، ومصالح جمة بعضها اجتماعي وخلقي كالوحدة والاجتماع، والتعارف والتعاون، وبعضها ديني أخروي، كالمحافظة على الصلوات والتنافس في إحسانها وإتقانها، ومنها أن إخلاص المخلصين وخشوع الخاشعين يؤثر في الجماعة كلها، ويرى نوره من خلاها فيوقظ النفوس الخامدة، ويحرك الهمم الفاترة وقد يكون سببا في قبول عبادة الجميع.