"لما كان صلاح القلب واستقامته، على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفا على جمعيته على الله، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالفة الأنام وفضول الكلام، وفضول المنام مما يزيده شعثا ويشتته في كل واد يقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه أو يعرقله، اقتضت رحمة العزيز العليم بعباده أن شرع لهم من الصوم، ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة"[٢٨] .
إن المجتمع الذي يستقيم على شريعة الصوم، يكون مجتمعا قويا في عقيدته، قويا في استجابته لأمر ربه، قويا بتماسكه وتضامنه، وتراحمه، قويا بأخلاقه الكريمة، وشمائله النبيلة.
وقد اختار الله سبحانه بحكمته البالغة، شهر رمضان المبارك ليكون موسم الصيام، المفروض على المسلمين من كل عام، وقد أشار القرآن الكريم إلى السر في اختيار هذا الشهر لهذه الفريضة المباركة ذلك أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.
وبين الصوم والقرآن صلة متينة عميقة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القران، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة [٢٩] .
لقد أصبح رمضان بما شرع فيه من صيام، وسن فيه من قيام وما رغب فيه من عبادة، وذكر وتلاوة للقرآن الكريم، وصدقات وتراحم، وبر وإحسان، موسما فذا من مواسم العبادة المتعددة النواحي، المتشعبة الجوانب، تلك العبادات التي تطبع النفوس بطابع الرحمة والخير، وتغمر المجتمع كله، بموجة من الحب والود والتعاون والتضامن، والتراحم.