إن الإسلام يعاقب على الجرائم إذا أعلنها فاعلها وكشف أمره فيها ولم يستتر عن الناس إذ في الإعلان تحريض عليها ودعوة إليها. "أيها الناس قد آن لكم تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله"[٥] . إذاً فلا تجسس ولا تتبع للعورات بل إنّ العقاب يكون حيث يتحقق الإثبات فهو مفسدة ودفعها مصلحة وهذه
الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات فهو أقوى المراتب في المصالح" [٦] .
والحدود تقوم على دعامتين هما:
١- حماية المجتمع من الشرور والآفات التي تفتك به وتروع أمنه وعلى مقدار ما في الجريمة من ضرر وفساد وترويع وإفزاع تكون غلظة العقوبة بقدر ذلك.
٢- عموم العقاب في أحكام الشريعة الإسلامية فالحدود تطبق على الجميع ولا يعفى منها أحد لمركزه أو شخصه أو لغير ذلك من الاعتبارات.
الموازنة بين الضرب والسجن:
إن المشرعين في القوانين الوضعية يعيبون على الإسلام أن العقوبات فيه أكثرها بدني بالضرب المبرح وقالوا إن هذه العقوبات ليست إنسانية بل فيها استهانة وحط للكرامة الواجب توفيرها للإنسان.
ويرد على هذا بأن الإسلام لاحظ في العقوبات ما لاحظه في كل تشريعه وهو ملاحظة أكبر منفعة والموارنة بين الضَرر الواقع والنفع المطلوب من حيث المقدار وتحمل أقل الضررين ولاشك أن العقاب كيفما كان ضرره لابد منه لأنه يترتب عليه نفع أكبر من الضرر اللاحق بالمعاقب.
وقد لاحظ الإسلام في العقاب الرادع أن يكون ضرره غير وخيم العاقبة بحيث يكون عاجلاً غير معطل للقوى أو مفضياً إلى ما هو أشد ضرراً في عاقبته.
والناظر في عقوبة السجن التي تعتمد عليها القوانين الوضعية إلى حد بعيد يوازن بين ضرر السجن وضرر الضرب أيهما أوخم عاقبة وأيهما أحسم للداء، إنه يلاحظ في السجن أضراراً كثيرة وبالغة الخطورة منها: