ومرت شهور، وأتى ابن الرشيد، وفي حسبانه أنه سوف يتسلم الرياض، وأن ساعة تخليصها له قد دنت، ولكنه ارتد على عقبه أمام قوة لم تخطر على باله، بل إنه كلما حاول الاقتراب منها لم يستطع، فنكص على عقبيه، ورجع غير موفق فصرف النظر عنها مؤقتا، لكن كانت له جولات، ومواقع في أماكن أخرى، لازم النصر فيها الإمام عبد العزيز آل سعود رحمه الله.
ظلت الحرب سجالا بين الإمام عبد العزيز وابن الرشيد، وربما كان ابن الرشيد قويا وذا بأس، وكان أكثر عدة وعتاداً، إلا أن الإمام كان أصلب عوداً وأكثر تحملا، وأشد إيماناً؛ فهو يحارب من أجل حق اغتصب، وسُطي عليه، ومن أجل دعوة ودين خف الوازع إليه، وإن له لمبدأ عظيماً يستمد منه الحماسة والقوة.
كانت الجيوش تصول وتجول من قبيلة إلى قبيلة، ومن أرض إلى أرض، والناس قد قلّ تمسكهم بالدين، فتاهوا في البيداء الواسعة، يسعون لمغنم دنيوي، وقد يكونون معك بالنهار، فإذا ما أتى الليل تراهم قد انقلبوا عليك، وتعقدت الأمور بالتقارب الذي لم يكن يخطر على بال، هذا التقارب الذي تم بين الشيخ مبارك وابن الرشيد، وكان هذا مما يستبعد، والعداء ما يزال مستحكما بين طرفي الجزيرة، وبدأ النفاق في بعض القبائل ظاهراً جلياً، وبين رجال تنكبوا الطريق، فكانوا متذبذبين بين الطرفين فأحذ الإمام عبد العزيز الحذر والحيطة منهم، وظل يتنقل وهو في أوج حماسه وقوته وتخطيطه، والمولى جَل وعلا يدبر له الأمر، ويوفقه إلى الطريق الذي سيوصله بإذنه تعالى إلى النجاح الذي يريده.
لقد وصل ابن الرشيد إلى روضة مهنا، بعد سلسلة من التنقلات والمناوشات ولحق به الإمام عبد العزيز، وشرع يجمع رجاله، ثم بدأ هجوما على خط الدفاع الأول ليلا، على من تقدم من رجال ابن الرشيد، وتواقعا في ٨ صفر سنة ١٣٢٤، وتمكن جيش الإمام من أن يزيح جيش ابن الرشيد قليلا، ويقهقره، ويحتل مكانه.